فصل: فالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِما كأنكَحَا *** مِنْ مُقْتضٍ تَأبُّداً مُستوضحا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَحَيْثُ لاَ عَيْنَ وَلاَ دَيْنَ وَلاَ *** كالِىءٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلاَ

‏(‏وحيث‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ‏(‏لا‏)‏ نافية للجنس ‏(‏عين‏)‏ اسمها وخبرها محذوف أي موجودة في التركة ‏(‏ولا دين‏)‏ إعرابه كالذي قبله والجملة معطوفة على الجملة قبلها ‏(‏ولا كالىء‏)‏ يقال فيه ما قيل في الذي قبله ‏(‏ساغ‏)‏ جواب حيث ‏(‏ما‏)‏ فاعل ساغ ‏(‏من إرث‏)‏ بيان لما ‏(‏بذلا‏)‏ بالبناء للمفعول صلة ما والمعنى أنه إذا لم يكن شيء مما ذكر في التركة فإنه يجوز الإرث الذي أعطي للزوجة من التركة قلّ أو كثر صلحاً عن واجبها فيها كما لو كان فيها عرض وطعام وعقار فأعطيت العرض أو بعضه صلحاً عن اتباع نصيبها فيما عداه كانت قيمته أقل من قيمة نصيبها في الجميع أو أكثر أو مساوية، ويجوز أن تكون من ليست بياناً لما بل بمعنى عن تتعلق بقوله بذلا أي ساغ الشيء الذي بذل لها عن إرثها من عند الوارث سواء كان المبذول عيناً أو غيرها بشرط أن يجوز بيعه بها لا بلحم مثلاً من غيرها، وفيها حيوان من جنسه أو العكس كما مرّ فأطلق اتكالاً على ذلك‏.‏ ومفهوم ولا عين أنه إذا كان فيها عين لم يجز بعين من عند الوارث، بل بعرض كما مرّ تفصيله مع مفهوم قوله‏:‏ ولا دين عند قوله‏:‏ والتركات ما تكوّن الخ‏.‏ ولذا كان الأنسب تقديم هذا البيت، والذي قبله هناك، ومفهوم ولا كالىء هو البيت الذي قبله حيث لم يكن فيها عين أو دين، وإلاَّ فقد تقدم تفصيله أيضاً‏.‏

وَإنْ يَفُتْ ما الصُّلْحُ فِيهِ يُطْلَبُ *** لَمْ يَجْزِ إلاَّ مَعْ قَبْضٍ يَجِبُ

‏(‏وإن يفت‏)‏ شرط وفعله ‏(‏ما‏)‏ موصولة فاعل يفت ‏(‏الصلح‏)‏ مبتدأ ‏(‏فيه‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏يطلب‏)‏ بالبناء للمفعول خبر المبتدأ والجملة صلة ما والرابط المجرور بفي ‏(‏ لم يجز‏)‏ جواب الشرط وفاعله ضمير يعود على عقد الصلح ‏(‏إلا‏)‏ استثناء من مقدر أي لم يجز مع حال من الأحوال إلا ‏(‏مع‏)‏ يتعلق بيجز كقولك‏:‏ ما مررت إلا مع زيد ‏(‏قبض‏)‏ مضاف إليه ‏(‏يجب‏)‏ في محل الصفة لقبض، والمعنى أنه إذا فات الشيء الذي الصلح يطلب فيه وهو المصالح عنه لم يجز عقد الصلح فيه إلا مع قبض يجب للمصالح به كما إذا غصبه عبداً أو سرقه ثوباً، وفات ذلك بذهاب عينه ونحو ذلك فلا يجوز الصلح في ذلك إلا بقبض المصالح به ناجزاً لأنه لما فات ترتبت قيمته ديناً في ذمة المتعدي فالصلح عنه صلح عن القيمة فلا يجوز بالتأخير إلا بدراهم قدر قيمته أو أقل أو ذهب كذلك وهو مما يباع به كما مرّ مستوفى تفصيله في التنبيه قبل هذا الفصل، ومفهوم أن يفت أنه لو كان قائماً جاز ولو بالتأخير وهو كذلك‏.‏

وَجَائِزٌ تَحَلُّلٌ فيما ادُّعِي *** وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي

‏(‏وجائز‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏تحلل‏)‏ سوغ الابتداء به تعلق ‏(‏فيما ادعي‏)‏ به ويجوز أن يكون جائز مبتدأ وتحلل أغنى عن الخبر على مذهب من لا يشترط الاعتماد وادعى صلة ما والعائد محذوف أي به وجملة قوله‏:‏ ‏(‏ولم تقم بينة للمدعي‏)‏ حالية أي لم تقم له بينة أصلاً مع جهلهما بقدره، فإن قامت به ورجع أحدهما لقولها‏:‏ فالصلح حينئذ حقيقي يعتبر في جوازه الشروط المتقدمة فقوله فيما ادعى الخ يدخل فيه ما إذا جهل أو نسي كل منهما قدر المدعي به مع اعترافهما بأصل وجوده أو به بينة ولم يرجع أحدهما لقولها، وما إذا علماه وسماه المدعي دون الآخر، ولا بينة أيضاً أو به بينة ولم تعين قدره على القول بعدم قبولها كما مرّ عند قوله‏:‏ ولم يحقق عند ذاك العددا الخ‏.‏ وسواء كان المدعى به حظاً في عقار أو غيره لا في هذا ولا فيما إذا جهلا معاً لكن فيما إذا سماه المدعي وعلمه دون الآخر لا بد من اعتبار شروط الصلح، لأن الآخر إما أن يكون منكراً لما ادعى به عليه جملة فيكون افتداءاً من اليمين أو مقراً به لا بقدره أو به وبقدره والكل داخل في قوله‏:‏

وهو كمثل البيع في الإقرار *** كذاك للمحجور في الإنكار

فيجب إخراج هذا من عموم كلامه هنا لئلا يؤدي للتكرار ولأنه عبر بالتحلل وهو إنما هو منقول فيما إذا جهلاه معاً أما إن علمه وسماه أحدهما فهو وإن عبر عنه بعضهم بالتحلل أيضاً باعتبار المدعى عليه، لكن المنصوص في المدونة وهو الأول وهو التحلل الحقيقي فإن علمه المدعي ولم يسمه لم يجز الصلح وإن وقع بطل إذا علم المدعى عليه بعلم المدعي المدعى وأما إن لم يعلم بعلمه وقت العقد فهي كالصبرة يعرف البائع كيلها دون المبتاع فيخير حينئذ في الفسخ وعدمه قاله أبو الحسن‏.‏ وإنما جاز الصلح فيما جهلاه أو نسياه مع أن الصلح بيع يشترط فيه عدم الجهل لأن اشتراط الشيء إنما هو مع القدرة عليه ولا قدرة هنا فيجوز الصلح على وجه التحلل في حظ من دار لا يعرفان قدره، وكذا في دراهم لا يعرفان عددها بعرض أو ذهب أو دراهم عاجلاً لا بالتأخير، وتأمل لم لم يشترطوا هنا تحقق التماثل في الدراهم بالدراهم‏؟‏ لأن ذلك على وجه التحلل‏.‏ أبو الحسن‏:‏ كل موضع لا يقدران على الوصول إلى معرفة ذلك فالصلح فيه جائز على معنى التحلل، ومثله بيع الصبرة لا يعرفان كيلها، ومثله لابن القاسم في المتجاعلين على حفر بئر أي جهلا جميعاً صفة الأرض من رخو أو صلابة اه‏.‏ أو يقال وهو الظاهر محل جوازه في الدراهم بالدراهم في المسألة المذكورة كما في المدونة إن كان لا يشك أن المأخوذ من الدراهم الآن أقل من المدعي بها، وإلاَّ منع كما قالوا فيمن استهلك صبرة من قمح مثلاً لا يصالح على التحري بمكيله من جنسه إلا أن يتحقق أن المأخوذ أدنى من كيل الصبرة لأنه أخذ لبعض الحق وقيمة للباقي كما في ‏(‏ق‏)‏ أول باب الصلح، ثم إن هذا البيت كالاستثناء من قوله‏:‏ فيما مر وكل ما اتقى بيعاً يتقي الخ‏.‏ لكن جاز الجهل في بعض أفراد الصلح على وجه التحلل كما جاز في بعض أفراد البياعات كالصبرة ونحوها‏.‏

وَالصُّلح فِي الكالِىءِ حَيْثُ حَلاَّ *** بِالصَّرْفِ فِي العَيْنِ لِزَوْجٍ حَلاَّ

‏(‏والصلح‏)‏ مبتدأ ‏(‏في الكالىء‏)‏ بالهمز يتعلق به ‏(‏حيث‏)‏ ظرف زمان هنا على قلة فيه مجرد عن معنى الشرط يتعلق بالصلح، ويجوز أن يكون ظرف مكان مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه والأول أظهر معنى ‏(‏حلا‏)‏ جملة فعلية في محل جر بإضافة حيث على كلا الوجهين ‏(‏بالصرف‏)‏ يتعلق بالصلح على الأول أو بحل آخر البيت على الثاني لا بالصلح لما يلزم عليه من الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ‏(‏في العين‏)‏ يتعلق بالصرف ‏(‏لزوج‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏حلا‏)‏ الذي هو جواب حيث على الثاني، والجملة من حيث وجوابها خبر المبتدأ‏.‏ وحلا الأول ضد أحل، والثاني ضد حرم وبينهما جناس تام، والمعنى على الأول والصلح في الكالىء وقت حلول أجله بالصرف في العين جائز لزوج، وعلى الثاني والصلح في الكالىء إذا حل أجله جائز للزوج بالصرف في العين وأشعر قوله لزوج أن المراد بالكالىء في كلامه دين الزوجة من صداقها، وإنما جاز لأنه من باب صرف ما في الذمة وعليه فلا خصوصية لدين الزوجة ولا الزوج، بل كل دين من عين في الذمة يجوز صرفه بعد حلول أجله لا إن لم يحل كما أشار له ‏(‏خ‏)‏ بقوله في الصرف عاطفاً على المنع أو بدين تأجل، وإن من أحدهما فمفهوم قوله‏:‏ إن تأجل هو قول الناظم هنا حل أي يجوز صرف ما حل منه كلاً أو بعضاً بمعجل لا بمؤجل، فإنه لا يجوز ولو تعجله لوقوعه فاسداً باشتراط تأخيره كما في المدونة؛ وانظر لو وقع بدنانير عن دراهم أو بالعكس وجعل التأخير بدون شرط، ونقل أواخر الصلح من المعيار جواز ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ومثله يقال في تأخير الحوز في التصيير بغير شرط بل هو أحرى ومحل النظم إن اتفقا على الحلول أو قامت به بينة، فإن اختلفا في الحلول وعدمه ولا بينة فسد لأنه صرف مستأخر بالنسبة لمنكره كما مرّ، ويحتمل أن يعمم في كلامه أولاً فيراد بالكالىء مطلق الدين المؤخر كان لزوجة أو غيرها طعاماً كان أو عرضاً أو عيناً‏.‏ وقوله‏:‏ بالصرف في العين لزوج إشارة لحكم بعض ما شمله العموم المذكور إذ لا مفهوم حينئذ للصرف ولا للزوج، فيكون كقول ‏(‏خ‏)‏ في الصلح‏:‏ وجاز عن دين بما يباع به الخ‏.‏ وقد تقدم هذا عند قوله‏:‏ وكل ما اتقى بيعاً يتقي اه‏.‏

باب النكاح وما يتعلق به

من صحة وفساد ومن له الإجبار من الأولياء وترتيبهم إلى غير ذلك وهو لغة الضم والتداخل، ويطلق على الوطء والعقد وأكثر استعماله في الوطء، ويسمى به العقد لكونه سبباً فيه، وهل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد أو العكس أو حقيقة‏؟‏ فيهما أقوال‏.‏ أصحها الأول ابن عبد السلام، والثاني أقرب لغة والأول أقرب شرعاً أي حتى قيل لم يرد في القرآن إلا للعقد ولو في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى تنكح زوجاً غيره‏}‏ ‏(‏ البقرة‏:‏ 230‏)‏ لأن المعنى حتى يعقد عليها لكن السنة بينت أن لا عبرة بالعقد في التحليل، بل حتى يحصل الوطء بعده، وقيل هو في هذه الآية بمعنى الوطء كما أنه كذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الزاني لا ينكح‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 3‏)‏ الخ وثمرة الخلاف على الأولين من زنى بامرأة هل تحرم على ابنه وأبيه أم لا‏؟‏ قاله ‏(‏تت‏)‏ وقال ابن عرفة‏:‏ عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر اه‏.‏ فقوله عقد جنس وعبّر به لأنه يفتقر إلى إيجاب وقبول‏.‏ وقوله‏:‏ على مجرد متعة من إضافة الصفة إلى الموصوف، والتقدير على متعة التلذذ المجردة، وخرج به العقد على المنافع كالإجارة ونحوها، ولم يقل عقد معاوضة كالبيع لأن المعاوضة هنا غير مقصودة والمقصود المعاشرة، ولذا يقولون‏:‏ النكاح مبني على المكارمة وخرج بالمجردة العقد على شراء الأمة للوطء، وقوله‏:‏ بآدمية خرج به العقد على الجنية‏.‏ وقوله‏:‏ غير موجب الخ حال من التلذذ أي حال كون التلذذ بتلك الآدمية غير موجب قيمتها، وأخرج به الأمة المحللة إن وقع بينة‏.‏ وقوله‏:‏ ببينة حال من التلذذ أيضاً أخرج به صور الزنا المشار لها بقول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ أو وجدا في بيت وأقرّا به وادعيا النكاح حدا‏.‏ الخ‏.‏ وشمل قوله‏:‏ ببينة الخ البينة الحقيقية والحكمية كتصديق الطارئين والخصي فيها لأنهما يصدقان في كون النكاح كان ببينة، وأما الفشو والعدل الواحد فإنه وإن قام كل منهما مقامها في نفي الحد فإنما ذلك لكونهما شبهة لا لثبوت النكاح بهما، ولذا كان يفسخ‏.‏

فإن قلت‏:‏ الفسخ بطلاق وهو فرع النكاح‏.‏ فالجواب‏:‏ أن الطلاق إنما لزم مؤاخذة لهما بالإقرار أن العقد كان بشاهدين فدرأنا الحد للشبهة وألزمنا الطلاق مراعاة للإقرار قاله ابن رشد‏.‏ وقوله‏:‏ غير عالم صفة لعقد أو حال من المتعة أي حال كون المتعة المعقود عليها غير عالم عاقدها حرمتها فإن علم حرمتها فزنا وهل مطلقاً حرمها الكتاب كالأخت أو الإجماع كبنت الأخ من الرضاع أو إنما يكون زناً إن كان تحريمها بالكتاب لا بغيره‏؟‏ قولان‏.‏ المشهور الثاني‏.‏ وقول بعضهم صوابه أو الكتاب أو الإجماع على الآخر، وقول آخرين صوابه أو والإجماع بزيادة الواو بعد أو كله لا حاجة إليه لأن من اعتبر الإجماع يعتبر الكتاب إذ كل ما في الكتاب مجمع عليه على أن من قال باعتبار الإجماع يقول باعتبار الكتاب بالأحرى‏.‏

تنبيه‏:‏

فهم مما مرّ أن الطارئين إذا تقاررا على النكاح واتفقا عليه قبل قولهما، وأما إن كانا من أهل البلد ففي أقضية البرزلي لا يقضي القاضي بقولهما أنهما زوجان إلا بعد إثبات أصل النكاح قال‏:‏ والعمل اليوم أنهما لا بد أن يثبتا عند قاضي الأنكحة أنه يحوزها بحوز الزوجية بجماعة من الموضع الذي هما به، وكذا إذا طلقها وأراد ارتجاعها ولم يأتيا بالصداق أو تجحده المرأة ولم يعثرا على شاهدي النكاح، فلا بد من تعريف القاضي بأنه كان يحوزها واستعمال موجب الارتجاع فيسمع الطلاق منهما ويعملان على موجب الرجعة اه‏.‏ وستأتي كيفية وثيقة النكاح عند قوله‏:‏ والمهر والصيغة الخ‏.‏

وَبِاعْتبَارِ النَّاكِحِ والنِّكَاحُ *** واجِبٌ أَوْ مَنْدوُبٌ أَوْ مُبَاحُ

‏(‏وباعتبار الناكح‏)‏ يتعلق بمحذوف خبر عن قوله‏.‏ ‏(‏النكاح‏)‏ على حذف مضاف أي حكم النكاح يختلف باعتبار حال الناكح ويدل على حذف الخبر والمضاف المذكورين قوله‏:‏ ‏(‏ واجب أو مندوب أو مباح‏)‏ أو حرام أو مكروه فتعرض له الأحكام الخمسة، فيجب على الراغب فيه إن خشي العنت ولم يكفه الصوم أو التسري ولو مع اتفاق عليها من حرام، وإن أعفه أحدهما فالنكاح أولى والمرأة مثل الرجل إلا في التسري‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وقد يوجبه عليها عجزها عن حفظها أو سترها إلاّ به ويندب إن لم يخش العنت رجا نسله أو لا، ولو قطعه عن عبادة غير واجبة وكذا إن كان لا أرب له في النساء ورجا نسله وإلاَّ فمباح حيث لم يقطعه عن عبادة كالعقيم والشيخ الفاني والخصي والمجبوب، ويكره لغير الراغب فيه ويقطعه عن عبادة غير واجبة، وظاهر المازري ولو رجا النسل وصرح به‏.‏ ‏(‏ز‏)‏‏:‏ ويحرم فيما عدا الأول من هذه الأقسام إن خشي ضرراً بالمرأة بعدم وطء أو نفقة أو كسب محرم، ولو راغباً فيه لم يخش عنتاً، ولابن بشير عن بعضهم كما في ابن عرفة تقسيم آخر‏.‏ قال‏:‏ إن خاف العنت وجب وإلاَّ حرم إن أضر بالمرأة لعجزه عن الوطء أو مطلق النفقة أو للأمن من مال حرام وإلاَّ ندب إليه إن تشوق إليه وتشوش عليه فعله إن تركه وإلاَّ كره له إن لم تكن له حاجة أو قدر على التعفف وتزويجه يضيق حاله ومباح إن تساوت أحواله اه‏.‏ وما تقدم من أنه يجب على من خشي العنت ولو مع إنفاق من حرام هو ما يفيده كلام ابن بشير المتقدم وكلام الشامل، واعترضه ابن رحال بأن الخائف من العنت مكلف بترك الزنا كما هو مكلف بترك التزوج الحرام، فلا يحل فعل محرم لدفع محرم وإنما يصار لمثل هذا عند الإكراه كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا بالزنا اه‏.‏

قلت‏:‏ نحوه قول القلشاني عاطفاً على الممنوع ما نصه‏:‏ أو بكسب من مال لا يحل الخ‏.‏ وقد يرد بأن ما قالوه هو من باب ارتكاب أخف الضررين كما أن ما فعلته المرأة المذكورة كذلك لأن الإضرار بالزوجة بعدم الإنفاق أخف من الزنا لأن الإنفاق يمكن إسقاطه لأنه حق لها وإطعامها من الحرام يمكن التحلل منه، وأيضاً فإن كلاً منهما مترقب فيمكن عدم حصوله لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله‏}‏ ‏(‏ النور‏:‏ 32‏)‏ الآية‏.‏ ولأنه يزجز عن الإضرار وإطعامها الحرام وإلاَّ طلق عليه على أن إطعامها الحرام فسق والفاسق غير كفء فللزوجة الفسخ ولها الرضا كما يأتي عند قوله‏:‏ وحيثما زوج بكراً غير الأب‏.‏ وبالجملة، فهذا يجب عليه التزوج كما يجب عليه ترك الإنفاق من حرام فهو مكلف بأمرين فيرتكب أخفهما‏.‏ ثم إن فائدته غض البصر وتحصين الفرج والإطلاع على معظم لذة من لذات الجنة، وكثرة النسل لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏تناكحوا تناسلوا‏)‏ الحديث‏.‏ ويستحب نكاح البكر لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ عليكم بنكاح الأبكار فإنهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏ هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك‏)‏ وأن يخطب يوم الجمعة بعد صلاة العصر ويكره صدر النهار كما في الطرر، وأن يعقد في شوال كما فعل عليه الصلاة والسلام بعائشة رضي الله عنها، وأن يبني به وأن يخالف الجهال في تركهم فعل ذلك في المحرم، بل يقصد العقد والدخول فيه تمسكاً بما عظم الله ورسوله من حرمته ورجاء بركته كما في آخر السفر الأول من المعيار قاله ‏(‏م‏)‏‏.‏

والمَهْرُ والصِّيغَةُ والزَّوْجَانِ *** ثُمَّ الْوَلِيُّ جُمْلَةُ الأرْكانِ

‏(‏والمهر‏)‏ مبتدأ ‏(‏والصيغة والزوجان‏)‏ معطوفان عليه ‏(‏ثم‏)‏ للترتيب الإخباري ‏(‏ الولي‏)‏ معطوف أيضاً ‏(‏جملة الأركان‏)‏ خبر، ويجوز العكس، ومراده كابن الحاجب و‏(‏ خ‏)‏ بالركن ما لا توجد الحقيقة الشرعية إلا به فتدخل الخمسة التي في النظم لأن العقد لا يتصور إلا من عاقدين وهما شرعا الولي والزوج، ومن معقود عليه وهي الزوجة والصداق نصاً كما في نكاح التسمية أو حكماً في التفويض إذ الصداق فيه موجود حكماً لأنهما لم يدخلا على إسقاطه ولو دخلا على إسقاطه لم يصح كما يأتي ولا يتصور أيضاً إلا بصيغة وقد خصها الشرع بما يأتي في قوله فالصيغة النطق الخ‏.‏ وقد عد في الشامل هذه الأركان شروطاً لأن النكاح الذي هو العقد معنى من المعاني والزوجان والولي والصداق ذوات فلا يصح تفسيره بها، وأركان الشيء أجزاؤه، وهذه خارجة عنه‏.‏ وكذا الصيغة خارجة عنه إذ بها يوجد العقد الذي هو الربط، وجعل ابن محرز الولي والصداق والشهود شروطاً والزوجين ركناً وهو أظهر ولا يعكر عليه ما مرّ لأن المقصود من الزوجين رضاهما والرضا معنى يصح تفسير النكاح به، ولذا قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان والولي والصيغة شرطان، وأما الصداق والشهود فليسا بركنين ولا شرطين لأن الشهادة شرط في الدخول لا في العقد والصداق لا يشترط التعرض له، وإنما يشترط أن لا يدخلا على إسقاطه اه باختصار فقوله‏:‏ والولي الخ يريد إن كان غير مجبر وإلاَّ فرضاه ركن لا شرط تأمل‏.‏ وقد علمت أن من نظر إلى أن العقد الشرعي لا يوجد إلا بها عدها أركاناً، ومن نظر إلى كونها خارجة عنه وأنها غيره لم يصح تفسيره بها عدها شروطاً، ومن نظر إلى أن العقد لغة يوجد في نفسه من عاقد وهو الزوج والزوجة، لكن يشترط في صحته شرعاً الولي والصيغة جعل الأولين ركنين والثانيين شرطين، والكل صحيح معنى والله أعلم، فإن زوجت نفسها بغير ولي فسخ ولو طال وهل بطلاق‏؟‏ قولان‏:‏ لابن القاسم وابن نافع‏.‏ وكيفية وثيقته تزوج فلان الفلاني فلانة الفلانية البكر في حجر والدها المذكور، وتحت ولاية نظره الحل للنكاح على صداق مبارك مبلغ قدره كذا وكالته كذا يؤديه لها تقاضياً بحسب كذا آخر كل عام تزوجها بكلمة الله العلية، وعلى سنة نبيه ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ وعلى اليمين والأمان، وما جاء في محكم القرآن من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أنكحه إياها والدها المذكور أو وصيها المجبر بماله من الإجبار عليها حسبما يرسم الإيصاء أعلاه أو حوله، أو وليها أخوها فلان أو عمها أو ابن عمها وقبله الزوج المذكور قبولاً تاماً وارتضاه وألزمه نفسه وأمضاه، والله يوفق بينهما لما يحبه ويرضاه عرفاً قدره شهد عليهما به وهما بأتمه أو أكمله وعرفهما، وفي كذا، ولا شك أن الوثيقة تضمنت الأركان المذكورة واحترزت بقولي البكر من الثيب فلا بدّ من إذنها زوجها أبوها أو غيره كما يأتي في قوله‏:‏ وتأذن الثيب بالإفصاح الخ‏.‏ فإن سقط ذلك من الرسم ولم يبين بكراً ولا ثيباً فلا كلام للزوج كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولا رد بالثيوبة إلا أن يقول عذراء الخ‏.‏ وسيأتي قول الناظم أيضاً‏:‏ والزوج حيث لم يجدها بكراً الخ‏.‏ وبقولي في حجر والدها مما لو كانت بكراً وليست في حجره كالمرشدة ومثلها المعنسة فلا بدّ من إذنهما أيضاً كما يأتي في نظائره عند قوله‏:‏ واستنطقت لزائد في العقد الخ‏.‏ وبقولي‏:‏ الحل للنكاح الخ‏.‏ احترازاً من الموانع التي تمنع تزوجها من عدة وفاة أو كونها في نكاح آخر ونحو ذلك فإن سقط ذلك من الرسم لم يضر لأن الأصل انتفاء المانع، وفي المعيار عن ابن المكودي أن النكاح على السلامة والصحة إن سقط من رسمه خلو من زوج وفي غير عدة وأنه لا يحتاج إلى ذكره، وسيأتي عند قول الناظم وحيثما العقد لقاض قد ولى الخ‏.‏ ما إذا سقط ذلك في الثيب وأن ‏(‏ح‏)‏ استظهر أن سقوطه غير مضر وفي الفشتالي ما يخالفه وبقولي على صداق مبارك الخ‏.‏ مما لو نصوا على إسقاطه فالعقد فاسد يفسخ قبل البناء اتفاقاً وفي فسخه بعده وتصحيحه بصداق المثل‏.‏ قولان، وإن لم يتعرضوا له أصلاً فهو نكاح تفويض وسيأتي عند قوله‏:‏ أو ما فوّضا فيه وحتماً للدخول فرضا الخ، وبقولي مبلغ نقده كذا مما لو لم يتعرضوا لقدره وسيأتي في قوله‏:‏

والزوج والزوجة مهما اختلفا *** في قدر مهر والنكاح عرفا

أي‏:‏ عرف ببينة أو إقرار ولا تسقط البينة لجهلها القدر، وقد أنكر أحدهما النكاح من أصله كما مرّ عند قوله‏:‏ ولم يحقق عند ذاك العددا الخ‏.‏ وقولي مبلغ نقده كذا الخ‏.‏ لا بد فيه من بيان السكة كما يأتي عند قوله‏:‏ وكل ما يصح ملكاً يمهر الخ‏.‏ فإن قالوا نقدها كذا أو أقبضها أو عجل لها أو قدم، ونحوه بصيغة الماضي في الجميع فذلك مقتض لقبضه وإن قالوا النقد من ذلك كذا أو مبلغ النقد ونحوه، فهو مقتض لبقائه وإن قالوا‏:‏ نقده كذا بالمصدر فقولان‏.‏ قال ذلك كله في الشامل ونحوه قول ناظم العمل‏:‏ إن قيل نقده كذا لا نقد الخ‏.‏ فإن قالوا‏:‏ مبلغ نقده كذا يؤديه ليلة الدخول بها والدخول مختلف‏.‏ فقيل‏:‏ يفسخ للجهل بليلة الدخول‏.‏ وقيل‏:‏ لا، وبه العمل قال ناظمه‏:‏

والنقد إن أجل بالدخول *** إليه من عقد على الحلول

وسيأتي بقية الكلام عليه عند قوله وأمد الكوالىء المعينة، وبقولي وكالته كذا الخ‏.‏ مما لو بينوا قدر الصداق ولم يتعرضوا لنقد ولا لكالىء فيجري على ما قالوه في الاختلاف في أصل الأجل في البيع فيما يظهر فيحمل على الحلول إلا لعرف على أنه قد نقل البرزلي عن ابن رشد في مسائل الأنكحة أنه محمول على الحلول حيث لم يذكروا تأجيلاً ولا ضده، واقتصر عليه في الشامل ونحوه في المدونة، لكن قال أبو الحسن‏:‏ لو اتفق هذا في زمننا لكان النكاح فاسداً لأن العرف جرى بأنه لا بد من الكالىء فيكون الزوجان قد دخلا على الكالىء ولم يضربا له أجلاً اه‏.‏ وانظر ما يأتي عند قوله‏:‏ وأمد الكوالىء المعينة الخ‏.‏ وبقولي بحسب كذا آخر كل عام الخ‏.‏ مما لو ذكروا الكالىء ولم يتعرضوا لأجله فسيأتي في قوله‏:‏ وأجل الكالىء مهما أغفلا الخ‏.‏ والكلمة العلية هي قول لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏ إذ لا يحل لكافر أن يتزوج مسلمة‏.‏ وقيل هي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 229‏)‏ والدرجة التي قال تعالى‏:‏ ‏{‏ وللرجال عليهن درجة‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 228‏)‏ الآية هي الطلاق الذي بيده، وقيل الشهادة التي هي أكمل من شهادة المرأة، وقيل غير ذلك‏.‏ وقولي‏:‏ بما له من الإجبار الخ راجع للوصي المجبر، وتقول في الأب بما ملكه الله من أمرها وذلك كله ظاهر في عدم الاستئمار والمشاورة وإن كانت مشاورتهما أحسن وأحوط ليخرج من الخلاف، وقولي حسبما برسم الإيصاء الخ إشارة إلى أنه لا بد من نسخ رسم الإيصاء لئلا تدعي أنه ليس بوصي عليها، وهذا إذا أنكحها المجبر فإن زوجها غيره زدت في الأوصاف المتقدمة البالغ فتقول البكر البالغ الخ‏.‏ وقلت‏:‏ أنكحها أخوها أو ابن عمها كما أشرنا إليه ولا بد حينئذ من أن نقول بإذنها ورضاها وتفويضها ذلك إليه تلقاه منها شهيداه أو غيرهما حسبما أعلاه أو حوله بعد أن استؤمرت وأعلمت بالزوج بعلاً، وبما بذل لها من الصداق مهراً فصمتت أو بكت ونحو ذلك كما يأتي في قوله‏:‏ والصمت إذن البكر في النكاح الخ‏.‏ ولا تزوج إلا بعد البلوغ وثبوت أنه لا أب لها ولا وصي وأن الصداق صداق مثلها إلى غير ذلك كما يأتي في قوله‏:‏

وحيثما زوج بكراً غير الأب *** فمع بلوغ بعد إثبات السبب

الخ‏.‏ ويقبل قولها في البلوغ عند إرادة النكاح إذا أشبه قولها كما في البرزلي وفي المعيار عن ابن الحاج أنه يعرف بلوغها في وجهها وقدها ويخبره ثقات النساء فيشهد الشاهد به معتمداً على ذلك الخ‏.‏ فإن ادعت بعد العقد أنها غير بالغة وقد كانت أقرب به حين العقد، فلا يلتفت إلى دعواها لأن إقرارها عامل في مثل هذا، فإن نظر إليها النساء فشهدن بعدم البلوغ ففي البرزلي ونقله ‏(‏ح‏)‏ أنه يفسخ النكاح، وفي المعيار أواخر الكراس الأول من الأنكحة عن اليزناسني أن البينة بعدم بلوغها لا تقبل قائلاً قد جاءت الروايات بطرح البينة المقابلة لما أقرت به المرأة فيما تصدق فيه من ذلك دعوى المرأة الإصابة بعدم إرخاء الستر، وينكرها الزوج ويقيم بينة بالنساء أنها عذراء فيغرم جميع الصداق ومن ذلك لو أقرت المطلقة أنها دخلت في الحيضة الثالثة فينظرنها النساء فلا يرين دماً بها فإنها تبين بمجرد قولها‏.‏ واحتج أيضاً بأن النساء يعتمدن في شهادتهن على عدم البلوغ بعدم الإنبات وهي قد تزيل الشعر بحيث لا يرى الناظر شيئاً‏.‏

قلت‏:‏ وأيضاً فإن البلوغ لا ينحصر في الإنبات بل يكون بالاحتلام والسن، وما للبرزلي هو الذي يقتضيه ابن هلال والفائق كما في شرح ناظم العمل عند قوله‏:‏ وجاز للنسوة للفرج النظر الخ‏.‏ وإذا قلنا بقبول بينتها بعدم إقرارها به أو لم يضمن الشهود إقرارها به فإن شهدت بينة بعدم البلوغ بعد أن صرح شهود الصداق بالبلوغ فذلك من التعارض‏.‏ ولا يقال تصريحهم في رسم الصداق بالبلوغ مجرد حكاية، لأنا نقول الحكاية المجردة جرت عادتهم بالتبرىء منها فيقولون‏:‏ قبل فلان لزوجه بزعمه ولا وارث له سوى من ذكر في علم من علمه إلى غير ذلك، فكذلك هؤلاء حيث قالوا‏:‏ البالغ ولم يزيدوا بزعمها علم أن شهادتهم بالبلوغ مقصودة قاله في المعيار عن ابن عطية الونشريسي، وإذا ثبت التعارض فيجري ذلك على ما مرّ في آخر الشهادات فانظر ذلك هناك‏.‏ وقوله‏:‏ جرت العادة الخ، ظاهر إذا كان الشهود من أولي العلم وإلاَّ فلا‏.‏ وتأمل ما قالوه من الفسخ مع ما في ضيح وابن عبد السلام من أن شهادة النساء لا تعمل فيما يوجب الفراق، ونقله شارح نظم العمل في المحل المذكور، وقولي وقبله الزوج الخ‏.‏ أي بفور علمه بالإيجاب ولا يضر التأخير اليسير فإن تأخر الإشهاد على الزوج بالقبول أو على الولي بالإيجاب كما لو عقد الأب النكاح على ابنه المالك أمر نفسه أو يعقد الولي على وليته ويتأخر إعلامها أو ينعقد النكاح بين الزوجين ويتأخر إعلام الولي، فذلك كله هو النكاح الموقوف ثالث الأقوال فيه كما في الفشتالي‏:‏ إن قرب جاز وإن بعد لم يجز، ومحل الخلاف إذا لم يدع الوكالة ولم يقر بالافتيات اه‏.‏ وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ وصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقرّ به أي بالافتيات حال العقد الخ، وقال أيضاً‏:‏ وحلف رشيد وأجنبي وامرأة أنكروا الرضا والأمر حضوراً إن لم ينكروا بمجرد علمهم وإن طال كثير الزم الخ‏.‏ وحد القرب اليومان عند سحنون والثلاثة على ما أفتى به ابن لب قائلاً، وبه العمل في هذه الأزمنة‏.‏

وسبب الخلاف بين القولين الأولين من الثلاثة هل الخيار الحكمي كالشرطي أم لا‏؟‏ ومفهوم قوله‏:‏ بالبلد أنه إذا كان بغير البلد لم يصح فمن سحنون‏:‏ قلت لابن القاسم فيمن زوج ابنه الكبير المنقطع عنه وهو غائب فبلغه ذلك فرضي وكان بعيداً عن موضعه فقال‏:‏ لا يقام على هذا النكاح وإن رضي لأنهما لو ماتا لم يتوارثا اه‏.‏ فالغائب تارة يكون غائباً عن محل العقد حاضراً بالبلد، وتارة يكون غائباً عن الوطن قاله ابن عرضون في جواب له‏.‏

قلت‏:‏ وتأمله مع ما مرّ من أن حد القرب اليومان والثلاثة فلعل هذا إنما يتمشى على قول عيسى من أن حد القرب كون العقد بالسوق أو بالمسجد ويصار إليها بالخبر من وقته واليوم بعد اه، ووقعت نازلة وهي أن رجلاً زوج ولده المالك أمره أو أخاه وقبل له ذلك ولم يسمع من المعقود عليه ردّ ولا قبول حتى مات بعد ثلاثة أعوام، والحال أن العاقد لم يدع توكيلاً ولا أقر بافتيات فأجاب ابن عرضون والقصار وغيرهما بأن عاقد نكاح غيره وإن غائباً يحمل على الإذن لأن الغالب أنه لا يعقد أحد نكاح غيره إلا بإذنه، وقاله ابن رشد اه‏.‏ من الزياتي باختصار، ثم إنه تقدم حكم ما إذا سقط من الوثيقة معرفة القدر عند قوله‏:‏ والتركات ما تكون الصلح الخ‏.‏ كما تقدم أيضاً حكم ما إذا سقطت المعرفة أو التعريف عند قوله‏:‏ ويشهد الشاهد بالإقرار الخ‏.‏ وتقدم أيضاً حكم ما إذا سقط وهو بأتمه‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ يثبت النكاح بعد الموت بشهادة العدل الواحد ولو الخاطب على قبول الزوج أو توكيل الزوجة لأنه غير عاقد فليس شاهداً على فعل نفسه وذلك راجع للمال فيثبت بالشاهد واليمين كما مرّ، وسواء أخذ الخاطب على خطبته أجراً أم لا على ما به العمل كما لابن ناجي‏.‏ الثاني‏:‏ لا يلزم الزوج تعجيل النقد إلا أن يدعى للبناء وهو بالغ وهي ممن تطيق الوطء، وإن لم تحض بخلاف ما لو أصدقها معيناً كعرض ورقيق ونحوهما فيجب تعجيله، ولا يجوز اشتراط تأخيره كالبيع ‏(‏خ‏)‏ ووجب تسليمه إن تعين وإلاَّ فلها منع نفسها الخ‏.‏ ويقبضه مجبر ووصي لا غيرهما ولو تولى عقد النكاح إلا بوكالة منصوص فيها على القبض أو يتطوع بضمانة قال الغرناطي‏:‏ تسمى في الوثيقة الزوجين وعدد الصداق ومن أي سكة هو وقبض النقد أو حلوله وفي تأجيله إلى البناء خلاف وتسمى قابضة ومن يجوز له قبضه أو تطوع القابض بضمانه الخ‏.‏

وفي الدُّخُولِ الخَتْمُ في الإشْهَادِ *** وَهُوَ مُكَمِّلٌ في الانْعِقَادِ

‏(‏وفي الدخول‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏الختم في الإشهاد‏)‏ يتعلق بالختم ‏(‏وهو‏)‏ مبتدأ ‏(‏ مكمل‏)‏ خبره ‏(‏في الانعقاد‏)‏ يتعلق به أو بمحذوف حال من المبتدأ أي الواجب في الإشهاد كونه عند الدخول وهو حال كونه كائناً في الانعقاد أي عند العقد محصل الكمال‏.‏ أي‏:‏ الندب خوف موت أحدهما أو إنكاره فعلم منه أن الإشهاد ليس شرطاً في صحة النكاح ولا ركناً فيه لوجود العقد وصحته بحصول الإيجاب من الولي والقبول من الزوج، وإنما هو شرط في الدخول فإن دخل بغير إشهاد فسخ بطلقة بائنة كما قال ‏(‏خ‏)‏ وفسخ إن دخل بلاه ولا حدّ إن فشا ولو علم فإن لم يكن فشو حد إن أقرا بالوطء وإلا عوقبا فقط، ولو جهلا وجوب الإشهاد ابن يونس والباجي‏:‏ والشاهد الواحد لهما بالنكاح ومعرفة ابتنائهما باسم النكاح، وذكره، وإظهاره كالأمر الفاشي في سقوط الحد قاله ابن الماجشون وأصبغ‏.‏ وإذا فسخ فلهما المراجعة بعد الاستبراء بثلاث حيض وتحرم على آبائه وأبنائه فإن عقد الأب على ابنه في غيبته القريبة بحيث لو رضي لصح، لكنه لم يرض فتحرم على أصوله وفصوله أيضاً، وإن عقد عليه في حال غيبته البعيدة بحيث لو رضي لم يصح على ما مر تفصيله لم تحرم قاله ابن حبيب‏.‏ وظاهر النظم كغيره أنه يفسخ وإن طال وولدت الأولاد وأن الشهرة وحدها من غير إشهاد لا تكفي في عدم الفسخ وهو ما ذكره الشارح عن بعض شراح الرسالة قال‏:‏ وأفتى ابن لب بأن الإشهاد بالنكاح وشهرته مع علم الولي والزوجين يكفي وإن لم يحصل إشهاد قال‏:‏ وهكذا كانت أنكحة كثير من السلف وفي الجواهر ولم تكن أنكحة السلف بإشهاد اه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الذي يدل عليه قول ابن سلمون فإن كان النكاح والدخول شائعاً مشتهراً سقط الحد باتفاق وثبت النكاح اه‏.‏ فتأمل قوله وثبت النكاح‏.‏ قال سيدي أحمد البعل في جواب له نقله العلمي في نوازله بعد أن ذكر ما نصه‏:‏ من أراد سلوك ما نقله الموثقون فليفسخ كل نكاح دخل صاحبه بغير إشهاد للنصوص الواردة بذلك، وما يفهم من عدم فسخه على ما للأقدمين عملاً على الشهرة لا يعول عليه لأن الموثقين سبقونا إلى كلامهم فلو عدلوا عنه إلى الفسخ، فلما فهم منهم أنهم لا يكتفون فيه بالشهرة اه باختصار‏.‏

قلت‏:‏ تأمله مع تعليلهم الفسخ بأنه سد لذريعة الفساد إذ لا يشاء إثنان يجتمعان في خلوة على فساد إلا فعلا مثل ذلك وادعيا سبق عقد بغير إشهاد فيؤدي إلى ارتفاع حد الزنا والتعزير الخ‏.‏ ولا شك أن الشهرة ينتفي بها التعليل المذكور والحكم يدور مع علته‏.‏ ولذا قال ابن شاس‏:‏ ليس الإشهاد ركناً ولا شرطاً في العقد، وإنما هو شرط في الدخول والمقصود إعلان النكاح وإشهاره ليتميز عن الزنا، وإنما شرح الإشهاد لرفع الخلاف المتوقع بين الزوجين وإثبات حقوقهما، وعلى هذا جرت أنكحة الصحابة رضي الله عنهم ما كانت بشهادة اه‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر في المعيار أواخر الكراس الثالث من أنكحته أن رجوع الشهود عن الشهادة بالنكاح بعد شهرته بالعقد والبناء غير مؤثر فانظره‏.‏

فالصِّيغَةُ النُّطْقُ بِما كأنكَحَا *** مِنْ مُقْتضٍ تَأبُّداً مُستوضحا

‏(‏فالصيغة‏)‏ مبتدأ ‏(‏النطق‏)‏ خبره ويجوز العكس ‏(‏بما‏)‏ يتعلق بالنطق ‏(‏كأنكحا‏)‏ صلة ما ‏(‏من‏)‏ بيان لما ‏(‏مقتض‏)‏ صفة لمحذوف ‏(‏تأبدا‏)‏ مفعول بمقتض ‏(‏مستوضحا‏)‏ نعت له أي الصيغة من الولي هي النطق بما هو كأنكحا من كل لفظ مقتض التأبد الواضح فأدخلت الكاف زوجت، فإنه ينعقد النكاح به كأنكحت اتفاقاً وأدخلت أيضاً بعت وملكت ووهبت وتصدقت ومنحت وأعطيت ونحو ذلك حيث قصد بها النكاح وظاهره سمي معها صداقاً أم لا‏.‏ إذ المدار عنده على كونها تقتضي التأبيد لا إن لم يقصد بها النكاح فلا ينعقد كما في شراح ‏(‏خ‏)‏ ومفهوم قوله‏:‏ تأبدا الخ إنه لا ينعقد بنحو‏:‏ أعمرت أو أوصيت أو وأجرتها لك أو أعرتها أو رهنتها لاقتضائها التوقيت دون التأبيد، وعدم اللزوم في الوصية وظاهره ولو قصد بها النكاح أو سمي معها الصداق، وما ذكره من أنه ينعقد بكل لفظ يقتضي التأبيد هو لابن القصار وعبد الوهاب والباجي وابن العربي ودرج عليه ابن الحاجب فقال‏:‏ الصيغة كل لفظ يقتضي التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وكذلك وهبت بتسمية الصداق‏.‏ وقال في المقدمات‏:‏ لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ الهبة حيث قرن بصداق وشهره في الشامل فقال‏:‏ وصيغة بأنكحت وزوجت وفي وهبت مشهورها إن ذكر مهراً صح وإلاَّ فلا‏.‏ وقيل‏:‏ يصح ببعت وتصدقت بقصد نكاح، وقيل‏:‏ بتحليل وإباحة وكل لفظ يقتضي تمليكاً مؤبداً إلا إجارة وعارية ورهناً ووصية الخ‏.‏ فأنت تراه حكى ما لابن العربي ومن معه بصيغة‏.‏ قيل‏:‏ المقتضية للتضعيف فيكون ما في المقدمات هو الراجح كما في شراح ‏(‏خ‏)‏ وأفهم قوله‏:‏ كأنكحا أن المضارع ليس كالماضي ونحوه في الالتزامات قائلاً الأصل في المضارع الوعد، وفي الماضي اللزوم ونحوه لشراح المتن عند قوله في الخلع والبينة إن قال‏:‏ إن أعطيتني ألفاً فارقتك أو أفارقك إن فهم الالتزام والوعد إن وطئها الخ‏.‏ وقال في ضيح المضارع في النكاح كالماضي وموه لأبي الحسن قائلاً يؤخذ منها أن لفظ المستقبل في النكاح كالماضي بخلاف البيع اه‏.‏ وفي الإلتزامات أن المضارع إنما يدل اللزوم مع قرينة دالة عليه تفهم من سياق الكلام بخلاف وقرائن الأحوال اه‏.‏ وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد، وأما الصيغة من الزوج فهي قبلت ونحوه مما يدل على القبول وأفهم قوله النطق أن غيره من إشارة أو كتابة لا يكفي، ومنه يعلم حكم المسألة الأمليسية وهي ما جرت به عادة البلاد من أن الرجل يوجه من يخطب له فيجاب بالقبول ويتواعدون للعقد ليلة البناء، ثم يبعث الرجل بحناء وحوائج تتزين بها ويولول النساء ويسمع الناس والجيران فلان تزوج فلانة سئل عن ذلك أبو سالم بن إبراهيم الجلالي فقال‏:‏ أما إن كانت العادة المذكورة جارية عندهم مجرى العقد المصطلح عليه بحيث يرتبون على تلك الأمور من إرسال الحناء وغيرها آثار النكاح، وأن المواعدة للعقد ليلة البناء ليست هي عندهم لإنشاء العقد بل للإشهاد بقدر المهر وأجله، وتحقيق ما قبض منه وما بقي خوف التنازع في ذلك فلا إشكال في لزوم النكاح وترتب آثاره عليه، وأما إن كانت العادة المذكورة إنما هي عندهم توطئة للعقد وأمارة على ميل كل لصاحبه فلا إشكال في عدم اللزوم وإن جهل الحال بحيث لو سئل أهل البلد هل يقصدون العقد المنبرم أو الوعد، وأن الانبرام إنما يقع ليلة البناء لم يجروا شيئاً فهذا محل الإشكال على ماذا يحمل هل الانبرام أو الوعد‏.‏ ولعل هذا القسم هو محل الخلاف، فمن قال إنها تنزل منزلة العقد المنبرم ويقول‏:‏ إن أركان النكاح كلها حاصلة لأن الدلالة الفعلية أقوى من القولية، ومن قال بعدم اللزوم يقول‏:‏ إن تلك الأوصاف غير العقد فلا تنزل منزلته ولا يترتب عليها حكم فمما يدل على اللزوم جواب الشريف المزدغي في يتيمة عقد عليها أخوها بغير وكالة غير أن الناس حضروا وأكلوا وكان يبعث لها بالحناء والفاكهة والصابون في المواسم والأعياد قال فيه‏:‏ إن صبغت بالحناء وأكلت من تلك الفاكهة مع علمها لزمها النكاح اه‏.‏ ونحوه كما يأتي للعبدوسي وابن لب والبرزلي، وما ذكره المزدغي وابن لب والعبدوسي يؤخذ من قول المتن وإن طال كثيراً لزم بالأخرى وما ذكره البرزلي يقيد بالطول الذي في المتن والله أعلم‏.‏ ومما يدل على عدمه جواب أبي العباس البقيني في رجل خطب يتيمة من أخيها، واتفقوا على الزواج بعدد معلوم وحوائج وحضروا بمجلس واحد وأكلوا دون أن تقع بينهم شهادة وأعطاها العفصة وألقتها في رأسها، ثم إن الرجل فقد أو أسر هل يصح لغيره العقد عليها أم لا‏؟‏ فقال‏:‏ لا نكاح بينهما ولا توارث ولا عدة، وبهذا جرت عادة المفتين، وأنه إذا لم يقع إشهاد فلا نكاح، وكان شيخنا سيدي إبراهيم بن فتوح يستشكل هذا، ولا سيما إذا عظم التراكن فيما مثل هذه المسألة اه‏.‏ هذا ملخص ما نقلوه من جواب الجلالي المذكور، ولم أقف على جوابه بعينه، ويؤيد ما للمزدغي ما أفتى به ابن لب والعبدوسي فيمن عقد عليها وليها بغير وكالة من أنها إذا هنيت حين العقد فلم تنكر، أو حضرت صنيع وليمتها دون إظهار نكير لزمها النكاح، وكذا نقل البرزلي عن الرماح أن النكاح إذا كان مشهوراً فإنه يغني عن توكيل البكر أو الثيب اه، ويؤيد ما للبقيني ما أجاب به السرقسطي في امرأة خطبت من والدها وأكلوا الطعام قال‏:‏ إن ثبت أن والد الزوجة قال‏:‏ زوجت ابنتي البكر فلانة من فلان وسمع من الزوج أنه قال‏:‏ تزوجتها فإنهما يتوارثان وإلاَّ فلا اه‏.‏ وقال أيضاً في جواب آخر عن مثل النازلة الصيغة وهي اللفظ الدال على التزويج والتزوج ركن من أركان النكاح لا ينعقد إلا بها، فإن حصلت من الزوج والأب والأب مجبر حصل النكاح وإلاَّ فلا اه‏.‏ وبمثله أجاب ‏(‏ق‏)‏ وابن سراج كما في المعيار وغيره إلا أن البقيني علل بعدم الإشهاد وهم عللوا بفقد الصيغة قالوا‏:‏ وهو الصواب في التعليل لما مر أن الإشهاد ليس شرطاً ولا ركناً‏.‏

قلت‏:‏ اللهم إلا أن يكون جوابه في قوم عادتهم أن كل ما يفعلونه قبل الإشهاد لغو وقولهم وهو الصواب في التعليل يقتضي إن قوله في السؤال، واتفقوا على الزواج الخ‏.‏ أنهم عقدوا لا أنهم تواعدوا وإلاَّ ما حسن التعليل بفقد الإشهاد أو الصيغة لأن الذي لا عقد فيه لا يعلل بذلك لأنهم يقولون عقد فاتت فيه الصيغة أو الإشهاد ولا يقولون وعد فات فيه ما ذكر، وقوله‏:‏ بعد ولا سيما إن عظم التراكن الخ‏.‏ لا ينافي ذلك لأن التراكن وإن بلغ ما بلغ لا يكون عقداً فالمراد بالتراكن العقد أي ولا سيما إن عظم ما يدل على العقد الخ‏.‏ والتعليل بفقد الصيغة هو الجاري على ما في النظم وغيره، وقال في اللباب‏:‏ الصيغة من الولي لفظ الخ‏.‏ وبهذا يحسن مقابلة ما للبقيني بما للمزدغي ونصيرنا زلتاهما متحدتي المعنى وإن الافتيات على المرأة وقع فيهما، وزادت نازلة الثاني بفقد الصيغة لأن قوله‏:‏ اتفقوا محتمل للاتفاق مع الصيغة أو مع عدمها، والمحتمل لا دليل فيه، ولذا قالوا‏:‏ الصواب التعليل بفقدها، لكن حيث زادت نازلة الثاني بما ذكر أدى ذلك إلى اختلاف موضوع النازلتين وإن اتحدتا في الافتيات، وبهذا استشكلت المقابلة بين النازلتين، وعندي أنه مشكل من جهة أخرى، وذلك أن سيدي إبراهيم الجلالي أجمل في جوابه على حسب ما نقلوه عنه ووقفنا عليه لأنه لم يبين ما المراد بقول السائل فيجاب بالقبول الخ‏.‏ لأنه إن كان معناه أن الإيجاب وقع من الولي بشيء من الألفاظ المتقدمة في تقرير النظم من غير استئمار للمرأة ولا توكيل منها، وثبت ذلك ببينة أو إقرار بعد الموت أو النزاع فالمرأة حينئذ مفتات عليها فيجري حكمها على قول ‏(‏خ‏)‏ وصح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقر به حال العقد الخ‏.‏ والزوج هنا غير مفتات عليه إن كان خاطباً لنفسه لأن الخاطب حينئذ وكيله إذ الفرض أن الخطبة بإذنه، فقول الخاطب فلان يقول لك زوج وليتك مني أو يخطب منك وليتك بمنزلة قول ‏(‏خ‏)‏ ويزوجني ففعل الخ، فالصيغة حينئذ موجودة من الولي إلا أنها تارة توجد بلفظ الإنكاح والتزويج وتارة بغيرهما فيجري ذلك على ما مرّ في تقرير النظم ولا يخفى أنهم قصدوا بها النكاح حتى رتبوا عليها الولاول ونحوها، وإن كان الإيجاب وقع من المخطوبة أو كان الباعث يخطب لولده لا لنفسه والموضوع بحاله فالافتيات وقع على الولي في الأولى ولا يصح النكاح بحال ولو أجازه الولي لأن عاقده امرأة وعلى الزوج في الثانية يجري حكمه على ما أشار له ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وحلف رشيد وأجنبي إلى قوله‏:‏ وإن طال كثيراً لزم الخ‏.‏ وإن كان الافتيات على الزوج والزوجة فيجري كل على حكمه على قول مرجوح فيه كما يأتي، وعلى هذا القسم أعني الافتيات على الزوجة فقط أو على الزوج فقط أو على الزوجين على القول المرجوح يتنزل جواب المزدغي، ومن ذكر معه لأن قبول الهدايا وحضور الوليمة والسكوت حين الشهرة أقوى من قول المتن وإن طال كثيراً لزم الخ‏.‏ وإن كان معناه يجاب بالقبول غالباً أي غالب أحوالهم أن يكون الإيجاب من الولي بشيء من تلك الألفاظ المتقدمة وتصدر عنه حينئذ تلك الأفعال، فينبغي أن يكون الحكم للغالب ويجري حينئذ حكمه على الوجه الذي قبله وإن كان قوله في السؤال فيجاب بالقبول الخ‏.‏ معناه أنهم أجابوه بإظهار ما يدل عليه من سرور وميل وليس هناك غالب ولا يدري هل كانت هناك صيغة أم لا‏؟‏ وتوكيل واستئمار أم لا‏؟‏ كما هو ظاهر جوابه بدليل قوله‏:‏ بحيث يرتبون إلى قوله من إرسال الحناء، وبدليل قوله الدلالة الفعلية أقوى الخ‏.‏ فلا يخفى أن هذا لا يتنزل عليه جواب المزدغي ومن معه لأن المحقق حينئذ هو الميل والسرور، وبعث الهدايا وقبولها وغير ذلك من الصيغة ونحوها محتمل مشكوك هو في حكم العدم، ونازلة المزدغي صرح السائل فيها بالعقد فظاهره أنه إنما فات فيها التوكيل والاستئمار وغير ذلك من الأركان كله موجود، وهذا لا يتنزل عليه جواب اليقيني إن قلنا أن قوله في السؤال اتفقوا معناه تعاقدوا كما مرّ، وأما إن قلنا معناه وقع منهم ما يدل على الاتفاق ولا يدري بماذا هو ولا أنه كان بحضور المرأة أو توكيلها ولا يدرون ذلك فهو حينئذ أشبه شيء بهذا الاحتمال الذي نحن فيه، لكن لا ينبغي أن يعلل بعدم الإشهاد ولا بفقد الصيغة، بل بعدم وجود العقد من أصله إذ المحقق حينئذ هو وجود تلك الأفعال وغيرها محتمل في حكم العدم وهي وحدها لا دلالة فيها على العقد لأنها محتملة للعقد والوعد والمحتمل لا دلالة فيه، فإن كانت عادتهم وغالب أحوالهم أنهم يريدون بها انبرام العقد، وأنها لا تكون إلا بعده فيحسن حينئذ التعليل بفوات الصيغة التي هي اللفظ الدال على التزويج والتزوج الخ‏.‏ ومقابله من يقول أن النكاح ينعقد بغير صيغة بل بإشارة ونحوها ولو ممن يتأتى منه النطق وهو ظاهر قول المقري في قواعده كل نكاح، فالمعتبر في انعقاده ما دلّ على معناه لا في صيغة مخصوصة ويكون حينئذ الخلاف في القسم الأول من أقسام صدر الجواب لا في القسم الثالث الذي هو جهل الحال بما يريدون بتلك الأفعال لما علمت من أن المحتمل لا تثبت به الأحكام، وبالجملة إن حملنا السؤال في الأمليسية على المعنى الأول، فالحكم ظاهر وإن حملناه على الثاني كما هو مقتضى جواب سيدي إبراهيم المذكور فلا يحسن الاستدلال بما للمزدغي ولا بما للبقيني إن قلنا أن قوله في السؤال اتفقوا معناه تعاقدوا، وإن قلنا معناه وقع بينهم اتفاق فيفصل فإن كان غالب أحوالهم أنهم يقصدون بتلك الأفعال الانبرام فيجري الخلاف بين من يشترط الصيغة المخصوصة ومن لا يشترطها كالمقري في أول الأقسام فقط لا بين من يشترط الصيغة وبين المزدغي المذكور ولا في القسم الثالث إذ الأفعال المحتملة لا يثبت بها نكاح‏.‏ اللهم إلا أن يقال وجه الاستدلال بما للمزدغي أن رضا الزوجة من أركان النكاح، وقد قام مقام رضاها أكلها وصبغها بالحناء أو حضور وليمتها ونحو ذلك‏.‏ وإذا قامت الدلالة الفعلية مقام ركن من جانب فكذلك تقوم مقامه من جميع الجوانب كما في نازلتنا لكنه يحتاج لوصي بسفر عنه، ويكون حينئذ ما للمزدغي تقوية لما للمقري من عدم اشتراط صيغة مخصوصة فتحسن المقابلة حينئذ بين المزدغي، ومن يشترط صيغة مخصوصة لكن في القسم الأول فقط كما مرّ لأن للمزدغي ومن معه إنما هو لكون العادة قطعت بأن ذلك الفعل يدل على رضاها‏.‏ وعلى القسم الأول ينبغي أن يحمل قول ناظم العمل‏:‏ وفي النكاح إن بدا القبول الخ‏.‏ فتأمل هذا الذي ذكرناه بإنصاف ولا تغتر بما سبق للأذهان من الانحراف‏.‏

فإن قلت‏:‏ الزوجة في نازلة المزدغي ومن معه مفتات عليها وحكمها منصوص للأقدمين كما قال ‏(‏خ‏)‏ أو أفتيت عليها وصح أن قرب رضاها بالبلد الخ‏.‏ فما وجه نسبتها للمتأخرين‏.‏ قلت‏:‏ المنصوص للأقدمين أن رضاها لا يكون إلا بالنطق كما يأتي، وهؤلاء جعلوا تلك الأفعال قائمة مقام نطقها لأن تلك الأفعال بمقتضى العادة كالنطق أو أقوى فلعله لذلك نسبت إليهم‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ مما يشبه الأمليسية ما جرت عادة أهل فاس أنه إذا حصل الإيجاب من ولي الزوجة يتواعد مع أهل الزوج ليوم ووقت يجتمعون فيه في المسجد مع أهل الوجاهات من الشرفاء وغيرهم، فيجتمعون ويسمع الحاضرون من ولي الزوجة أنه زوج وليته من فلان ويقبل ولي الزوج أو من يدعي النيابة عنه ويعينون الصداق ويقرؤون الفاتحة وينصرفون ولا يسمعون من الزوج قبولاً ولا من المرأة توكيلاً لعدم حضورهما، ثم يطرأ موت أو نزاع فيحتج الزوج بأنه لم يحضر ولم يرض، والمرأة بأنها لم توكل، والحكم في هذه ظاهر مما مر إذ الصيغة فيها موجودة من الولي ولكن وقع الافتيات على الزوج والزوجة على زعميهما‏.‏ فإن ثبت أنه وجد من الزوجة والزوج ما يدل على رضاهما لزمهما النكاح على خلاف ما يأتي في النكاح الموقوف على الطرفين، فإن لم يثبت شيء فقال القصار في جواب له نقله الزياتي فيمن عقد عليه أبوه أو أخوه نكاحاً ولم يسمع من الزوج إذن ولا قبول حتى مات بعد ثلاثة أعوام، والحال أن العاقد لم يدع توكيلاً ولا افتياتاً ما نصه‏:‏ عاقد نكاح غيره وإن غائباً يحمل على الإذن لأن الغالب أنه لا يعقد أحد نكاح غيره إلا بإذنه، وجواب أخينا السراج بغير ذلك خلاف الصواب وحمل على أكل أموال الناس كجوابه بعدم انعقاد النكاح قبل الإشهاد وما وقع من ذلك لغيره إنما هو في قطر عادتهم أن كل ما فعلوه قبل الإشهاد لغو وليس قطرنا كذلك اه‏.‏ ونحوه لابن عرضون كما مرّ وصدق رحمه الله في كون قطرنا ليس كذلك إذ من مارس أنكحة فاس ونواحيها وجدها لا تقع إلا بإذن من الزوجين، وظاهر تعليله وصدر جوابه أن ذلك جار حتى في غيبة الزوجين معاً كما هي عادة فاس، وقوله‏:‏ وجواب أخينا السراج الخ‏.‏ يريد أن السراج أفتى في مثل النازلة بعدم ثبوت النكاح قائلاً لأنه لا ينعقد إلا بقبول الزوج وقبوله لم يثبت‏.‏ والحاصل أن الافتيات إما على الزوج أو على الزوجة أو على الولي كما تقدم ذلك عند قوله‏:‏ والمهر والصيغة الخ‏.‏ والافتيات على الولي المجبر أو على غيره فيه تفصيل يأتي في ترتيب الأولياء وعلى الزوجة والزوج هو المشار إليه بقول ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما لا بد فيه من النطق أو أفتيت عليها الخ‏.‏ وبقوله‏:‏ وحلف رشيد وأجنبي إلخ إذ ذاك كله في النكاح الموقوف، وقد تقدم عن الفشتالي أن فيه أقوالاً ثلاثة والنكاح الموقوف كما للباجي الذي وقف على إجازة الولي أو أحد الزوجين، فهذا موقوف أحد طرفيه والموقوف طرفاه أن يوقف على رضا الزوج والزوجة، والصحيح فيه الفسخ مطلقاً وأما على أحدهما فيصح بالقيد المذكور في ‏(‏خ‏)‏ ابن رشد‏:‏ إذا زوج الرجل وليته البكر أو الثيب أو ابنه الكبير أو الأجنبي في مغيبهم فلا يخلو إما أن يزعم حين العقد أنه أذن له فيه الغائب فلا يفسخ النكاح حتى يقدم الغائب فإن صدقه جاز النكاح وإن بعد وإن أنكر الإذن حلف ولم يلزمه، وإن قال لم آمره ولكني أرضى النكاح جاز النكاح في القرب دون البعد على المشهور، وأما إن يزعم حين العقد أنه لم يأذن له وأنه مفتات في عقده فالنكاح فاسد اتفاقاً قرب أو بعد، وأما أن يعقد ويسكت ولا يبين شيئاً فهو محمول على التوكيل حتى يثبت خلاف ذلك انتهى باختصار بنقل الزياتي‏.‏ لكن ما ذكره من الاتفاق على الفساد في الوجه الثاني خلاف تفسير الباجي للنكاح الموقوف الجائز عندنا من أنه الذي يعقده الولي على وليته، ويشترط إجازتها وأنه لم يستأذنها الخ‏.‏ فهو كما لابن عرفة قادح في الاتفاق المذكور وإن كان ‏(‏خ‏)‏ درج في قوله ولم يقر به حال العقد على ما لابن رشد انظر شرح العمل عند قوله‏:‏

ومن تحمل عن ابنه النكاح *** وحمل الصداق عنه ليراح

الثاني‏:‏ قال في التكميل عن ابن أبي زيد في الرجل يقول‏:‏ زوجت ابنتي فلاناً إن رضي أن له الرضا بإجماع‏.‏ قال‏:‏ وسئل العبدوسي عمن أشهد أنه أنكح ابنته البكر من فلان بصداق مسمى فلم يبلغه الخبر إلا بعد سنين، فأجاب‏:‏ هذا يجاب للرجل المذكور فيها فإن قبله الزوج حين بلغه صح نكاحه قرب أم بعد، ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف قال‏:‏ وكثير من الطلبة يلبس عليه الفرق بين الصورتين اه‏.‏ ونحوه للقوري وذكر في نوازل الزياتي عن العبدوسي أن الفرق بين نكاح الإيجاب والنكاح الموقوف هو أن الإيجاب نكاح يعقده الأب على ابنته من غير أن يقصد العقد على الزوج، فهذا يصح مهما قبله الزوج ولو بعد طول وإن كان صغيراً وقبله بعد البلوغ أو قبله وكان في سن من يميز معنى ذلك ولم يرده بعد رشده فإنه منبرم أيضاً بخلاف الموقوف فإنه الذي يقصد به العقد على الزوج فإن قبله بالقرب، وكان أهلاً للقبول صح، وإن طال فسد على المشهور اه‏.‏

قلت‏:‏ وكأن هذا الفرق أخذه من كلام ابن رشد المتقدم وتأمل قوله‏:‏ ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف الخ‏.‏ مع أن نازلته هي عين قول ‏(‏خ‏)‏ وصح إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض وهل إن قيل بقرب موته تأويلان الخ‏.‏ لأن مسألة المرض راجعة بعد الموت لنازلته إذ الإيجاب وقع فيها معلقاً على الموت، ونازلة العبدوسي لا تعليق فيها، لكن اتحدتا بعد وقوع المعلق عليه، ولذا قال العوفي فيها التعليق وقع في الحياة ولا عبرة بطول مرضه أو قصره والإيجاب وقع مع الموت وهو الذي يشترط القبول عقبه اه‏.‏ وقد ذكر ابن رشد أن الأقوال الثلاثة التي في النكاح الموقوف تجري في مسألة المرض هذه كما في ضيح‏.‏ اللهم إلا أن يكون مراد العبدوسي لا يجري فيه الخلاف الذي في الموقوف نصاً بل تخريجاً، لكن يقال هي وإن لم يجر فيها الخلاف الذي في الموقوف نصاً، لكن يجري فيها الخلاف الذي في مسألة المرض نصاً لأنها عينها على أن نازلته هي المتقدمة عن ابن القاسم عند قوله‏:‏ والمهر والصيغة الخ‏.‏ ومسألة الإجماع المتقدمة ليس فيها التصريح بأن له القبول ولو بعد طول، بل هذه ظاهرة فيه فتحمل على القرب أي له الرضا بالقرب بإجماع، وأما بعد طول ففيه خلاف بدليل مسألة المرض وتخريج ابن رشد للأقوال يقتضي أنه لم يسلم الإجماع المتقدم وإلاَّ ما صح له التخريج لما تقرر في علم الأصول أن من قواد ‏(‏ح‏)‏ القياس كونه في محل نص أو إجماع، وقد علمت أن المشهور في الموقوف اشتراط القرب فيعلم منه اشتراط الفور بين القبول والإيجاب إلا الفصل اليسير، وينبغي أن يراعي ذلك التشهير أيضاً في مسألة المرض وما في معناها وهذا ما لم يكن زوجها من صغير وإلاَّ فلا يضر تأخير القبول اتفاقاً‏.‏

الثالث‏:‏ قال ابن عرضون ونقله في نوازل العلمي فيمن عقد ليلة الثاني والعشرين بعد العشاء وشهد على الزوج بالقبول يوم الخامس والعشرين‏:‏ هل تحسب تلك الليلة من الثالث والعشرين ويكون القبول داخل الثلاثة الأيام ما نصه‏:‏ إن كان الأمر كما ذكر فلا يفسخ النكاح الموصوف اه‏.‏ قلت‏:‏ وفي أنكحة المعيار في رجل عقد النكاح على أخته يوم الخميس وشهد على الزوجة يوم الجمعة وقد كان رجع الزوج عنه عشية يوم الخميس أن النكاح منعقد بإجازة الزوجة ورجوع الزوج يعد طلاقاً يلزمه النصف فانظره‏.‏

الرابع‏:‏ قال في ضيح في المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل‏:‏ ومنها المرأة تزوج وهي حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول‏:‏ لم أرض الخ‏.‏ وسئل ابن مرزوق عمن علاتهم عدم الكتب حين العقد هل يكلف الزوج بعد البناء إثبات النكاح وأن القبول وقع ناجزاً فقال‏:‏ دعوى المرأة عدم الرضا بعد البناء لا تقبل إلا ببينة ولا تعزل عن الزوج بمجرد دعواها ومحمل النكاح على الصحة حتى يتبين الفساد‏.‏

وَرُبْعُ دِينارٍ أَقَلُّ المُصْدَقِ *** وَلَيْسَ لِلأَكْثَرِ حَدَّ ما ارْتُقِي

‏(‏وربع‏)‏ خبر ‏(‏دينار‏)‏ مضاف إليه ‏(‏أقل‏)‏ مبتدأ ‏(‏المصدق‏)‏ بضم الميم وسكون الصاد اسم مفعول مضاف إليه أي أقل الصداق ربع دينار ذهباً وصرفه اثنا عشر درهماً شرعياً كصرفه في باب الدية، والصرف واليمين والسرقة بخلاف صرفه في الزكاة والجزية فعشرة دراهم فقط، وقد نظم ذلك ‏(‏تت‏)‏ فقال‏:‏

ديات وصرف مع يمين وسارق *** نكاح زكاة جزية تم عدها

فصرف أخيرها بعشر دراهم *** وللباقي زده اثنين غاية عدها

وسيأتي في بيع الحاضن أن صرفه هناك ثمانية دراهم‏.‏ ‏(‏وليس‏)‏ فعل ناقص ‏(‏للأكثر‏)‏ خبرها مقدم ‏(‏حد‏)‏ اسمها مؤخر ‏(‏ما‏)‏ نافية ‏(‏ارتقي‏)‏ بالبناء للمفعول، والجملة صفة لحد أي ليس لأكثره حد من نعته وصفته لا يرتقي عليه ولا يتجاوز لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وآتيتم إحداهن قنطاراً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 20‏)‏ ابن رشد‏:‏ والقنطار ألف دينار ومائتا دينار إلا أن اليسارة فيه أحب لأهل العلم والمغالاة فيه مكروهة كما في ‏(‏خ‏)‏ وغيره قال في المقدمات‏:‏ كانت صدقات أزواج النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ وبناته على قدر علو قدره وقدرهن اثنتي عشرة أوقية ونشاً والأوقية أربعون درهماً، والنش عشرون درهماً فذلك خمسمائة درهم‏.‏

أَوَ مَا بِهِ قُوِّمَ أَوْ دَرَاهِمُ *** ثَلاَثَةٌ فَهْيَ لَهُ تُقَاومُ

‏(‏أو‏)‏ للتنويع ‏(‏ما‏)‏ موصولة واقعة على العرض ونحوه معطوفة على ربع ‏(‏به‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏قوم‏)‏ والجملة صلة والرابط الضمير النائب في قوم والضمير المجرور يعود على ربع أي أقل الصداق ربع دينار أو عرض قوم به يوم العقد يعني أو بثلاثة دراهم فأيهما ساواه صح به النكاح، ولو نقص عن الآخر كما في ‏(‏ز‏)‏ وقيل لا يعتبر التقويم إلا بالدراهم‏.‏ ‏(‏أو‏)‏ للتنويع أيضاً ‏(‏دراهم‏)‏ معطوف على ربع أيضاً ‏(‏ثلاثة‏)‏ صفة ‏(‏فهي‏)‏ مبتدأ والفاء سببية ‏(‏له‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏تقاوم‏)‏ أي تعادل وتماثل والجملة خبر والضمير المجرور يعود على ربع، ومفهوم أقل أنه إن نقص عما ذكر فسد وهو كذلك ‏(‏ خ‏)‏ وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم خالصة أو مقوم بهما وأتمه إن دخل وإلاَّ بان لم يتمه فسخ فملخصه أنه إن بنى لزمه إتمامه وإلاَّ فإن أراده لزمه الإتمام أيضاً فإن لم يرده وعزم على عدم الإتمام فسخ وإلاَّ بقي له الخيار إلا أن تقوم الزوجة بحقها لتضررها قاله ‏(‏ز‏)‏ وقوله‏:‏ فسخ أي على المشهور‏.‏ وقال ابن وهب‏:‏ لا يفسخ وإن وقع بالدرهم والشيء اليسير كالشافعي قائلاً لا حدَّ لأقله كما لا حد لأكثره فكل ما جاز أن يكون ثمناً لشيء أو أجرة لشيء جاز أن يكون مهراً وبه قال أحمد وإسحاق‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ أقله دينار أو عشرة دراهم‏.‏ وقوله‏:‏ فسخ أي بطلاق لأنه مختلف فيه ولها نصف المسمى كما قال ‏(‏خ‏)‏ وسقط بالفسخ قبله الإنكاح الدرهمين فنصفهما الخ‏.‏

ولما ذكر أقل الصداق ذكر قدر الثلاثة دراهم الشرعية بدراهم وقته فقال‏:‏

وَقَدْرُهَا بِالدَّرْهِم السَّبْعَينِي *** نحوٌ مِنَ العِشْرِينَ في التَّبْيِينِ

‏(‏وقدرها‏)‏ مبتدأ والضمير للثلاثة دراهم ‏(‏بالدرهم‏)‏ يتعلق بالمبتدأ ‏(‏السبعيني‏)‏ صفة وهو نسبة إلى سبعين أحد العقود أي الدرهم الذي سبعون منه في الأوقية الشرعية والأوقية الشرعية أربعون درهماً شرعياً قال ابن جزي‏:‏ إن الدراهم كانت في الأندلس سبعين في الأوقية، ثم ردت ثمانين في الأوقية ونحوه في ‏(‏ق‏)‏ قاله ‏(‏ت‏)‏ ‏(‏نحو‏)‏ خبر المبتدأ ‏(‏من العشرين‏)‏ يتعلق به ‏(‏في التبيين‏)‏ في موضع الصفة لنحو قال الشارح عن بعضهم أن الدرهم الشرعي فيه من دراهمنا يعني السبعينية ستة دراهم وثلاثة أعشار الدرهم قال‏:‏ ولا شك إنك إذا ضربت ثلاثة في ستة وثلاثة أعشار كان الخارج ثمانية عشر وتسعة أعشار‏.‏ ولذا قال الناظم‏:‏ نحو أي يقرب من العشرين، وقد يكون فيها مع ذلك غش أو نقص فلذا قال‏:‏

وَيَنْبَغِي في ذاكَ الاحْتِياطُ *** بخَمْسَةٍ بِقَدْرِها تُنَاطُ

‏(‏وينبغي‏)‏ مضارع ‏(‏في ذاك‏)‏ يتعلق به والإشارة للتبيين ‏(‏الاحتياط‏)‏ فاعل ‏(‏بخمسة‏)‏ يتعلق بالاحتياط أي بزيادة خمسة على العشرين فتكون خمسة وعشرين ‏(‏بقدرها‏)‏ يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏تناط‏)‏ بالبناء للمفعول والجملة تعليل لما قبلها أي ينبغي الاحتياط في ذلك البيان بزيادة خمسة إذ يقدرها مع العشرين تناط وتضبط الثلاثة الشرعية، والنوط التعليق يقال ناطه ينوطه أي علقه، ومعنى التعليق هنا الضبط لأنه يفسر في كل شيء بما يناسبه، ألا ترى أنه في تعليق القدرة بالممكنات بمعنى التأثير، وفي تعليق العلم بالمعلومات بمعنى الانكشاف، وفي تعليق المجرور بعامله بمعنى أنه معمول له والله أعلم‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ ما ذكره الشارح عن بعضهم من أن الدرهم الشرعي فيه من الدراهم السبعينية ستة دراهم وثلاثة أعشار الخ‏.‏ غير ظاهر إذ الذي تقتضيه القسمة الحيسوبية على ما مرّ من أن سبعين منها في الأوقية والأوقية أربعون درهماً شرعياً أن يكون كل درهم شرعي فيه من الدراهم السبعينية درهم وثلاثة أرباع الدرهم، فالثلاثة دراهم على هذا هي خمسة دراهم سبعينية وربع درهم، فيشكل حينئذ قول الناظم نحو من العشرين الخ‏.‏ اللهم إلا أن يقال معناه نحو من العشرين ربعاً منه أي من الدرهم السبعيني ونحو الشيء ما يزيد عليه بيسير أو ينقص عنه كذلك كما قاله شراح المتن في فصل الحيض عند قوله النصف ونحوه الخ‏.‏

الثاني‏:‏ قدر الثلاثة الشرعية بالدرهم الفاسي الإسماعيلي عشرة دراهم أي عشر مزونات إسماعيلية هي ثلاثة دراهم شرعية لأن الدرهم الشرعي فيه من الدراهم أي المزونات الإسماعيلية ثلاثة وثلث بالوزن المرضي قاله ‏(‏ت‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ وسمعت من أشياخنا أن الدرهم السليماني الذي فيه ست مزونات سليمانية هو الدرهم الشرعي أو يقرب منه، فينبغي الزيادة على ذلك للاحتياط‏.‏

وَمِنْهُ ما سُميَ أَوْ ما فُوِّضا *** فِيهِ وحَتْماً لِلدُّخُولِ فُرِضَا

‏(‏ومنه‏)‏ خبر عن ‏(‏ما‏)‏ الموصولة وصلتها ‏(‏سمي‏)‏ بالبناء للمفعول ونائبه ضمير الصداق والرابط بين الموصول وصلته محذوف وإن لم تتوفر شروط حذف العائد فهو كقوله‏:‏

ومن حسد يجور على قومي *** وأي الدهر ذو لم يحسدوني

أي‏:‏ ومن النكاح النكاح الذي سمي الصداق فيه وقدر كما يسمى الثمن في المبيع إلا أنه يجوز فيه خفيف الغرر لبناء على المكارمة دون البيع ‏(‏خ‏)‏ الصداق كالثمن ثم قال‏:‏ وجاز بشورة وعدد من كإبل أو رقيق أو صداق مثل ولها الوسط حالاً الخ ثم إذا سمي عيناً ودفع عنها حلياً وشورة كما هي عادة أهل البوادي يسمون الصداق دنانير أو دراهم، ثم يأتي الزوج بكسوة وحلي ذهب أو فضة ويقول‏:‏ اشتريت هذا بكذا وهذا بكذا فأفتى السيوري بفساد النكاح‏.‏

قلت‏:‏ يريد ويفسخ قبل البناء فقط ومحل فساده كما للبرزلي إذا لم يكن ما يأتي به معروفاً لا يختلف في عوائدهم وإلاَّ جاز لأن العادة كالشرط وكأنه تزوجها بتلك الكسوة وذلك الحلي ابتداء لأن الضمائر منعقدة على أن الصداق هو تلك السلع وذلك الحلي والتسمية لغو ولا يحتاج إلى حيازة لأنه ليس بتصيير كما يأتي في فصله وما علل به بعضهم إطلاق فتوى السيوري من أن ذلك يؤول إلى ربا النسا في النقد لأن العادة كالشرط يرد بأن النقد المسمى في العقد لم يتقرر في الذمة حيث كان العرف أنه يأتي بغيره، فكأن النكاح انعقد ابتداء على شورة يأتي بها قيمتها كذا‏.‏ ويؤيد هذا ما في بيوع البرزلي من أنه إذا سمي في البيع دنانير، والمقصود صرفها بدراهم أو وقع البيع بجزء من دينار إلى أجل ودخلا على أن يعطيه فضة قدرها كذا جاز ذلك‏.‏ ويكون التعامل بالفضة لا بالذهب، وقد نص عليه أواخر صرف المدونة، وذكر في المعيار عن ابن مرزوق فيمن اشترى شقصاً بدراهم ونقد زيتاً أنهما إن دخلا على ذلك ابتداء فالشفعة بالزيت وبمثل ما للبرزلي أفتى أبو الفضل بن راشد وغيره، وأفتى جماعة منهم أبو سالم الجلالي بما للسيوري من الإطلاق وقد علمت ضعفه والله أعلم‏.‏ قاله أبو العباس الملوي وقال ناظم العمل‏:‏

وما إلا صدقة من مجرد *** تسمية العين بلا تخلد

بذمة مقوماً فجائز الخ‏.‏

‏(‏أو‏)‏ عاطفة ‏(‏ما‏)‏ موصولة واقعة على النكاح معطوفة على ما الأولى ‏(‏فوضا‏)‏ بالبناء للمفعول صلتها ونائبه ضمير الصداق ‏(‏فيه‏)‏ يتعلق بالصلة هو الرابط والتفويض كما لابن عرفة عقد دون تسمية مهر، ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد فخرج بالقيد الأول نكاح التسمية، وبالثاني النكاح الذي دخلا على إسقاط الصداق فيه فإنه فاسد يفسخ قبل البناء كما في الشامل وبالثالث نكاح التحكيم‏.‏ قال الرصاع‏:‏ ويرد عليه إذا جرت العادة والعرف بمهر، ولم تقع تسمية فعن اللخمي أنه تفويض، وعن المازري أنه يسميه‏.‏ وقال ابن رحال‏:‏ هذا لا يرد على حد ابن عرفة لأنه حيث كان المهر معروفاً عندهم عادة فالتسمية فيه موجودة ونص ما في المعيار والبرزلي‏.‏ سئل المازري عن أنكحة البادية والعادة أنهم لا يسمون صدقاتهم ولا يشهدون عليها وقت العقد بل عند البناء والصداق عندهم معروف لا يزاد عليه لجمال ولا ينقص عنه لقبح، فهل يحكم له بحكم التفويض يسقط في الموت ويجب الميراث ويسقط بالطلاق قبل البناء‏؟‏ فقال‏:‏ إن انتهت العادة بأنهما ما سكتا عن التسمية إلا للعلم بها وتفاهمهما أن كل واحد منهما عقد عليها فهو نكاح سمي صداقه وإن سكت عن التسمية والزوج غير ملتزم إليها بل فوض الصداق إليه أو إليها فيفرض صداق المثل، فهذا حكمه حكم التفويض فلها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها ثم قال‏:‏ ولو أشكل الأمر في قصدها فالأصل أنه تفويض إذا زعم أنه كذلك اه باختصار‏.‏ ثم إذا انعقد النكاح على التفويض فلها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل أو أكثر لزمها، وإن فرض لها أقل لم يلزمها، وله حينئذ أن يطلق ولا شيء عليه كما لا شيء عليه في الموت وفيه الإرث، فإن لم يفرض لها حتى دخل لزمه صداق المثل كما قال‏:‏ ‏(‏وحتماً للدخول فرضا‏)‏ فاللام بمعنى بعد كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لدلوك الشمس‏}‏ ‏(‏الإسراء‏:‏ 78‏)‏ أي فرض صداق المثل بعد الدخول فرضاً حتماً أي وجوباً محتماً صفة لمصدر محذوف بمعنى محتماً وللدخول يتعلق بفرض، وأما قبل الدخول فلا يتحتم الفرض إذ لها أن لا تمنع نفسها قبله كما مرّ وله أن يفارق ولو بعد إرادة الدخول‏.‏ وقول المدونة ليس للزوج البناء حتى يفرض معناه إذا منعت نفسها منه قبل الفرض، وبالجملة إن أراد الدخول ومكنته جاز إلا أنه يكره دون أن يقدم ربع دينار، وإن امتنعت من تمكينه حتى يفرض لها لزمه أحد أمرين‏:‏ إما الفراق أو الفرض، ولا يحمل النظم على هذا الأخير بجعل اللام للتعليل على حذف الإرادة لأن قوله حتماً ينافيه إذ لا يتحتم الفرض في هذا الوجه كما لا يتحتم عليه إذا لم يرد الدخول وطلبته هي بالفرض، بل يجبر على أحد الأمرين السابقين ‏(‏خ‏)‏ ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين وجمال وحسب ومال وبلد وأخت شقيقة أو لأب الخ والحسب ما يعد من مفاخر الآباء ككرم ومروءة‏.‏